التعامل مع التهجير القسري في قطاع غزة
منذ السابع من أكتوبر، ارتكبت القوات الإسرائيلية انتهاكات متواصلة لحقوق الإنسان ضد السكان الفلسطينيين في قطاع غزة، وذلك بعد عدة حملات قصف استهدفت المنطقة على مدار عقود. في هذه المقابلة، يسلط فادي محمد إنشاصي، الطالب في كلية الحقوق البالغ من العمر 23 عاماً، الضوء على تجارب أحد سكان الجزء الجنوبي من قطاع غزة، مقدماً لمحة عن القسوة التي يواجهها النازحون.
في أي منطقة من غزة أنت؟
انا اسكن في جنوب قطاع غزة ، في مدينة خانيونس المجاورة لمدينة رفح الواقعة في اقصى جنوب القطاع وحدود مدينة رفح هي الفاصلة بين غزة ودولة مصر. لساتنا في خان يونس ، والجيش توغل بري من يومين من الجهة الشرقية لمدينة خان بونس ووصل وسط المدينة ، واحنا في المنطقة الغربية للمدينة.
هل أنتم في منطقة تُعتبر ”آمنة“ من قبل الجيش الإسرائيلي؟
المنطقة التي نحن فيها تُسمى "مواصي خان يونس". ادعى الاحتلال أنها منطقة آمنة، ولكن هذا الادعاء كاذب، بدليل أنه منذ ١٠ أيام حدثت مجزرة في مواصي خان يونس، وكان لها صدى واسع حول العالم، وخلفت ٩٠ شهيدًا وأكثر من ٣٧٠ إصابة. يستهدفون المنطقة ويستهدفون خيام النازحين، ويعتمدون أكثر على الهجمات الجوية. وقد وصلت قذائف الدبابات إلى المنطقة من قبل، أي أن هجماتهم برية وجوية.
كيف تبدو الحياة اليومية؟
منذ بدء الحرب لقد تغيرت الحياة اليومية عما كانت عليه سابقاً، فإن حياتنا اليومية الان عبارة عن ان نستيقظ في الصباح الباكر والذهاب للمكان الذي نحصل منه على الماء وتوفيرها حتى تكفي بقية اليوم ، والحصول على الماء ليس سهلاً ابداً بل انه صعب جداً لاننا نصطف لعدة ساعات كل يوم نتيجة العدد الكبير من الناس الذين هم بحاجة للماء ، ومحطات توزيع المياه قليلة جداً مع عدم توفر الوقود اللازم لمحطات المياه لهذا السبب يحدث هذا الازدحام الشديد ، وبعد ذلك نذهب للبحث عن الحطب لاننا اصبحنا نشعل النار بالخشب للطهي لعدم توفر غاز، وبعد ذلك ننتظر قدوم الليل، هل تعلم لماذا ؟ لاننا بعدما اصبحنا متعبين من العمل طيلة اليوم نريد الارتياح ولكن لا نرتاح الا بقدوم الليل لاننا لا نستطيع الجلوس او النوم داخل الخيمة طيلة النهار بسبب الحر الشديد، مع الاسف هذه هي الحياة اليومية التي نعيشها نحن والعائلات الاخرى ايضاً، وتخيل اننا على هذا الحال منذ تسعة اشهر وبدأنا بالشهر العاشر للحرب.
كيف تحصل على الطعام؟
نحن سكان جنوب القطاع الان نحصل على الطعام من وكالة الاونروا المسؤولة عن اللاجئين ومن منظمة مشروع التغذية العالمي ، فإن كل عائلة لها كل اسبوعين سلة غذائية وهذه السلة عبارة عن علبة كرتونية تحتوي على المعلبات فقط مثل البازيلاء والفاصولياء والفول والحمص والجزر و اللحم معلب والسكر… بينما في شمال غزة الناس هناك يموتون جوعاً نتيجة الحصار لهم وعدم ادخال اي احتياجات لهم من غذاء او دواء ، وهم يتعرضون كل يوم وكل ساعة لهجمات من الجيش ، هناك الحالة مأساوية ، ويوجد لي الكثير من اقاربي في الشمال ويعانون معاناة شديدة واننا قلقون عليهم.
هل تستطيع النوم في ظل هذه الظروف؟
نعم انني انام وكل الناس هنا تنام ، لانني اكون طوال فترة اليوم اذهب للحصول على احتياجاتنا وما ان يأتي اخر اليوم فنصبح مرهقين جداً ، ومن الطبيعي اي شخص يتعب ينام حتى انه ينام دون ان يعلم نتيجة التعب الذي تعرض له في يومه.
أريد أن أسأل عن النزوح لأن هناك الكثير مما يجعل الناس هنا لا يعرفون ماذا حدث من الناحية التاريخية؟ بأفضل ما تتذكر، كيف كان يبدو يوم 7 أكتوبر بالنسبة لك، وماذا حدث كل شهر منذ ذلك الحين؟
نحن الشعب الفلسطيني يعاني من النزوح منذ عام 1948 ( ويسمى عام النكبة الفلسطينية ) ، ونحن اقصد عائلتي بشكل خاص أصلنا لسنا السكان المحليين لمدينة غزة بل أننا من سكان الاراضي الفلسطينية المحتلة التي تسمى اليوم دولة إسرائيل ، فإن أجدادنا وأبائنا الذين ماتوا كانوا يملكون اراضي وكان لهم بيوت ولكن في عام النكبة قد اتوا يهود الشتات في العالم للإستيطان في أراضينا بدعم من بعض الدول وبقوة السلاح ، وقد هرب اجدادنا خوفاً وتركوا كل شىء وقد اتوا الى غزة ، ونحن اليوم نعيش ما عاشه اجدادنا سابقاً ، فإننا منذ بدء الحرب ننزح من مكان الى اخر ولقد نرحنا عدة مرات.
وبالنسبة ليوم 7 أكتوبر بالنسبة لي قد اعتبره يوماً تاريخياً بسبب ما حصل ذلك اليوم انا اقصد المقاومة ضد الاحتلال من اجل استرداد أراضينا المحتلة ، وقد اعتبره يوماً اسود ويوم مشؤوم بسبب ما تبع هذا اليوم وانه ادى لحصول حرب ابادة جماعية، لقد كان من الافضل عدم حدوث ما حصل في هذا اليوم ، لانه تبع هذا اليوم ايام صعبة للغاية ، وكان اول شىء تعرضنا له هو قيام الجيش الاسرائيلي بتهديد سكان شمال قطاع غزة وأخبرهم بالنزوح نحو المناطق الجنوبية لقطاع غزة لان الجيش سوف يجتاح شمال غزة براً.
بعد فترة قرر الجيش الاسرائيلي اجتياح مدينتي مدينة خانيونس وقام بتهديد السكان بالنزوح مرة اخرى الى مدينة رفح ، وبعد انتهائه من تدمير مدينة خانيونس ، قام الجيش ايضاً بالتهديد حول اجتياح مدينة رفح وبالتالي قد نزح الناس مرة اخرى من مدينة رفح ، وقد حدد الجيش المنطقة الغربية لمدينة خانيونس وكذلك حدد منطقة وسط قطاع غزة بأنها المنطقة الامنة ويجب التواجد بها بعيداً عن اماكن القتال ، والمنطقة الغربية هي التي نتواجد بها الان، والبحر يحد قطاع غزة من الجهة الغربية ،ويتواجد في البحر سفن حربية تشارك بالقصف الى جانب الطائرات والاليات البرية التابعة للجيش، وفي الاوقات الاخيرة يوجد مخاوف من تهديد الجيش للمنطقة الوسطى لقطاع غزة ويقع بالمنطقة الوسطى مدينة دير البلح ومدينة النصيرات ، وهذه المنطقة يوجد بها عدد كبير من النازحين.
هل تعيش بمفردك الآن أم أن هناك من يعيش معك؟
انا الان اعيش مع عائلتي في خيمة ، وافراد عائلتي ثمانية هم الوالدين و الإخوة واخوتي اربعة منهم نساء ولدي اخي الصغير ، جمعينا نعيش في خيمة مساحتها سبعة متر مربع.
هل صحيح أنه يجب عليك دفع إيجار الخيام، فكيف يتقاضى شخص ثمن خيمة في هذه الحالة؟ من الذي يفرض عليك؟
في الاصل الخيام قد دخلت لقطاع غزة كمساعدات من الدول الاخرى ، ويتم توزيعها مجاناً لمن يحتاجها، ولكن قد يحدث بأن يكون المسؤولون على توزيع الخيام فاسدون ويقومون ببيع الخيام بدلاً من تسليمها مجاناً ، وهذا قد حدث للأسف بسبب عدم وجود رقابة ، وبالتالي فمن لا يملك المال لشراء خيمة يقوم بالبحث عن الخشب ويصنع خيمة يدوياً من الخشب والنايلون فإنها اقل تكلفة حتى يأوي عائلته داخل هذه الخيمة ، ونحن فعلنا ذلك لقد صنعنا خيمتنا يدوياً لاننا لا نملك المال لشراء الخيمة الجاهزة.
هل كانت هناك أي حوادث معك أو مع أي شخص شهدته بالجنود الإسرائيليين؟
نعم قد حصل حادث معي انا وعائلتي ،حيث انه عندما تم تهديدنا من قبل الجيش الاسرائيلي كنا في منزلنا في وسط مدينتي ، ووقتها لقد نزحنا الى منزل احد الاقرباء وبعد فترة من إقامتنا بهذا المنزل ونحن نائمون بالليل قد حدثت انفجارات متتالية بشكل جنوني غير متوقع من الطائرات ومن اليات الجيش البرية ومن السفن الحربية ، ولقد استيقظنا جميعاً خائفون وتوقعنا ان نموت جميعاً بأي لحظة ، ولقد اكتشفنا ان الجيش قد حاصرنا واصبح بالقرب منا ولا نستطيع الخروج لانه كان بالشوارع المجاورة، ولكن بعد عدة ساعات رأينا ان الجيش يقوم بإخراج المدنيين ولقد خرجنا ونحن نحمل راية بيضاء تدل على الاستسلام ، ولكن قبل ان نخرج قام الجيش بتخويفنا وتخويف اطفالنا بالسلاح وقد قام بإذلال الناس ويجعلهم يخلعون ملابسهم ويمشون على الركبة في الشارع وقد قام الجيش بأسر البعض وما زالوا بالأسر حتى هذا اليوم ، ولكن خرجنا أحياء بعد ساعات من الحجز والتخويف.
ولقد كان الجيش الاسرائيلي عدواني على الفور دون سبب واضح ودلالة ذلك انهم يعلمون اننا مدنيين وبالرغم من ذلك تعاملوا معنا كأننا إرهابيين ، وكان ذنبنا فقط اننا فلسطينيين لا اكثر ، قد كانوا يقولون لنا سنقتلكم جميعاً ولن نسمح لفلسطيني واحد ان يبقى على قيد الحياة .ولقد كانوا الجنود الإسرائيليين حاضرون بعدد كبير هم والياتهم لقد كانوا بالقرب منا ويتحدثون معنا ويتهموننا ويشتموننا.
عندما تحدث هذه الهجمات من إسرائيل، هل هناك أي مقاومين يدافعون عن المدنيين الفلسطينيين أم أنها مجرد معركة كاملة من جانب واحد؟
عند حدوث الهجمات من اسرائيل يكون مقاومين يتصدون لهم ولكن يكون ذلك بأماكن القتال الخالية من المدنيين ،والمقاومين لا يقومون بالتصدي خلال وجود المدنيين خوفاً على حياتهم وخوفاً من الهجمات التي قد تصعدها اسرائيل ، ولكن المقاومين اصبح عددهم قليل لانه قد قُتل الكثير منهم منذ بداية الحرب لانهم لا يملكون آليات مثل ما تملكه دولة كبيرة ومدعومة.
ما الذي يتطلبه الأمر لكي تتمكن من مغادرة غزة؟
لا يمكن الخروج من غزة الان ، لان المعبر الوحيد الذي نستطيع الخروج منه هو معبر رفح البري ، وهذا المعبر الان تم السيطرة عليه من قبل الجيش الاسرائيلي ولقد دمروا المعبر واحرقوا المباني المتواجدة به ، وهذا المعبر كان الوسيلة الوحيدة للخروج من غزة وعن طريق هذا المعبر نذهب الى دولة مصر ، والان تجري مفاوضات من اجل تسليم المعبر لجهة دولية غير مرتبطة بالحكومة السابقة في غزة، حتى يتم تصليح المعبر وترميمه واعادة السفر من خلاله ، وهذا قد يستغرق بعض الوقت ،والان لا احد يتمكن من الخروج بسبب الهجوم على مدينة رفح وعدم انسحاب الجيش حتى الان، وقبل الهجوم على مدينة رفح كان المعبر الحدودي مفتوحاً لمن يريد الخروج من غزة والهرب من الحرب ، لكن للأسف لم يخرج من غزة الا من كان يملك المال الكثير ، والسبب في ذلك ان الجهات المصرية كانت تطلب من كل شخص يريد الخروج مبلغ كبير ليتم التنسيق لخروجه ، وقد وصل سعر التنسيق سبعة الآف دولار للشخص الواحد، فإذا ارادت عائلة الخروج فإنها تحتاج لمبلغ كبير جداً ، وللأسف لقد كان هذا استغلالاً واضحاً من الجهات المصرية لسكان غزة ، فمن كان يريد الحياة يقوم بدفع ثمن الحياة.
ماذا ستفعل بمجرد الخروج؟
عندما اخرج من غزة الى دولة مصر سوف ابحث عن مكان للسكن انا وعائلتي و سوف نبحث عن عمل ، حيث اننا سوف نسكن في مصر لفترة من الزمن ، حتى نتمكن انا واخوتي من استكمال الدراسة ، وايضاً سوف اقوم بمعالجة عيوني بواسطة الليزر لانه لدى بعض المشاكل في القرنية تسمى
" القرنية المخروطية "، وانا على وشك التخرج وبعد ان اتخرج افكر ان اسافر الى اوروبا تحديداً الى دولة بلجيكا، لان بعض اقاربي الذين سافروا هرباً من الحرب قد ذهبوا الى بلجيكا ومن ضمنهم عمتي وعائلتها وبعض اصدقائي ، وهم لقد تمكنوا من السفر خلال الحرب لانهم كانوا يملكون المال لدفع التنسيق.
ما هو الوضع بالنسبة لوزارة الصحة؟
ان وزارة الصحة لقد انهارت واصبحت لا تستوعب العدد الكبير من المصابين لانه لقد خرج عن الخدمة ثلاثة عشر مشفى في جميع انحاء قطاع غزة ، والجيش الاسرائيلي لا يسمح بإدخال المستلزمات الطبية اللازمة للمرضى والمصابين ويؤدي ذلك الى استشهاد المصابين ، بل احياناً يقوم الجيش بقصف الشاحنات التي تحمل المساعدات القادمة لسكان غزة ، ولم يبقى سوى مشفيين فقط في جميع انحاء القطاع ، مستشفى ناصر في مدينة خانيونس ، ومستشفى شهداء الأقصى في المنطقة الوسطى، ومنطقة شمال غزة الان لا يوجد بها اي مشفى فقد تم تدمير جميع المستشفيات في شمال غزة ، ولقد تعرض مستشفى ناصر في مدينة خانيونس للتدمير الجزئي اثناء الهجوم على مدينة خانيونس ولكن تم تصليحه بشكل مؤقت حتى يتمكن من استقبال المصابين به.
ما زالت قائمة الشهداء قيد التحديث كل يوم وكل ساعة بسبب القصف الجوي المستمر وارتكاب المجازر يومياً بحق السكان النازحين ، وما زال عدداً كبير من المفقودين ما زالوا تحت الأنقاض بين ركام المنازل المدمرة ، حيث لا توجد اليات تساعد في اخراج الجثث ولقد تحللت الكثير من الجثث وهي غير مدفونة ، وما زال يتم تقسيم الشهداء من النساء والاطفال وكبار السن الى قوائم مختلفة حتى يرى العالم هذه الاحصائيات ويعلم بأن اهداف الجيش الاسرائيلي هي استهداف المدنيين الابرياء ، فإذا إن وزارة الصحة تعتبر فاعلة الى حد ما ، وذلك حسب ما يتم توفيره من المعدات الطبية اللازمة القادمة من الدول الاخرى.
هل لديك أي أحباب استشهدوا وتريد التحدث عنهم؟
نعم لدي أحباب استشهدوا ، انني فقدت احد اصدقائي في الجامعة ، وابكي على فراقه كل يوم لقد كان من اعز اصدقائي. لقد تخرج حديثاً وكان يحب كلية القانون وكانت له احلام وطموح بالحياة، لكنه مات واخذ معه احلامه.
وأيضاً انني فقدت آبن خالتي، ولقد نزح هو وعائلته من شمال القطاع وأتى الى جنوب القطاع وقد كان يسكن في بيتنا في فترة النزوح لانه لا يوجد اقارب لهم في الجنوب، وعندما تم تهديد مدينتي لقد هربنا نحن وعائلته ، ونحن لقد نزحنا في خيمة وهم لقد نزحوا في مدرسة حيث ان المدارس كانت مأوي للنازحين لان التعليم متوقف خلال فترة الحرب ، و ذات يوم قد هجم الجيش الاسرائيلي على هذه المدرسة التي يجلسون بها ، وكان يوجد قناص يعتلي احد البنايات واطلق النار عليه ، ولقد تم دفنه داخل المدرسة لعدم القدرة على الخروج من المدرسة ذلك الوقت . وايضاً يوجد العديد من الجيران لقد فقدناهم.
هل هناك أي شيء آخر تريد قوله لمدينة غينزفيل أو لأي شخص آخر يقرأ هذه المقابلة؟
لا تنسوا فلسطين ولا تنسوا معاناة الشعب الفلسطيني التي يتعرض لها منذ عقود طويلة ، وادعوا بأن يأتي يوم التحرير وان نعود الى اراضينا التي تم سرقتها ، وان نعيش مستقلين وينتهي الاحتلال ،ولا تتركونا وحيدون ، و استمروا في التحدث حول غزة.